حياة أرسطو الجزء الثاني

حياة أرسطو الجزء الثاني

أرسطو - الإسكندر

 من المحتمل أن يكون اختيار أرسطو ليكون معلما للإسكندر ولي العهد في وقت لم يكن قد ظهر فيه بعد أمام الناس باعتباره مفكرا مستقلا راجعا ليس إلى شهرته الشخصية في المحل الأول بل إلى علاقات أسرته مع البلاط الملكي، هذا بالإضافة إلى صفته كتلميذ لأفلاطون الذي كانت رحلاته إلى صقلية وتدخله في شؤونها السياسية قد جعلت مدرسته الأكاديمية تشتهر بكونها المركز العلمي الذي يهتم بدراسة السياسة والتشريع. وقد يكون صحيحا أن الإسكندر وجد بعض أبان غزواته لكي يمد أستاذه السابق أرسطو ببعض العينات من الحيوانات، ولكنه من اليقين بنفس الدرجة أن المثل العليا للرجلين وطباعهما كانت على خلاف لا يسمح بوجود تأثير وثيق من أحدهما على الآخر. وبعد أن رجع الإسكندر فجأة إلى مقدونيا ليتولى عرشها إثر مقتل أبيه في عام ٣٣٦ ق.م.، لم يكن هناك إمكان لاستمرار أرسطو في وظيفته فرجع أرسطو إلى أثينا وانكب على الدراسة العلمية الخالصة.

الدراسة العلمية 

 وفي هذا الوقت الفاصل بالذات أصبحت رئاسة المدرسة الأكاديمية خالية بوفاة أسبوسيبوس شريك أرسطو القديم في دراسات علم الحياة، ومن الممكن أن يكون أرسطو قد أحس بإحساس الإساءة حين تركته المدرسة وانتخبت رئيسا لها جديدا إكسينوقراطيس من خلقدونيا، ومهما يكن الأمر ورغم أنه لا يبدو أن أرسطو وصل بعلاقاته مع الأكاديمية إلى درجة التدهور إلا أننا نراه يفتتح في عام ٣٣٥ ق.م. مدرسة منافسة لها في اللوقيوم وهو ملعب كان ملحقا بمعبد الإله أبوللو لوقيوس وتبعه، وتبعه في مدرسته هذه عدد من أبرز أعضاء الأكاديمية. وطول الأعوام ١٢ التالية انشغل أرسطو بتنظيم المدرسة لكي تكون مرفأ للتأمل المتصل والبحث في كل ميادين الدراسة، بتأليف عدد عديد من المحاضرات في المسائل العلمية والفلسفية. والفرق الرئيسي بين المدرسة الجديدة وبين الأكاديمية من حيث الاتجاه العام هو أنه بينما كانت الرياضات هي محور اهتمام الأفلاطونيين فإن أهم مشاركات اللوقيوم أو الليسية في العلم يخص ميدان علم الحياة وميدان التاريخ.

اتهام أرسطو

 أخيرا حين مات الإسكندر في ٣٢٣ ق.م. قامت في أثينا حركة من الاضطراب. قصيرة الوقت ولكنها عنيفة ضد السيطرة المقدونية، وكان من الطبيعي أن يحس أرسطو أنه مستهدف في مثل هذا الظرف نظرا لصلاته مع المقدونيين ورغم قلة تعاطفه مع أهداف فيليب والإسكندر. وقد قام الأثينيون باتهامه مثل سقراط بالجريمة الكبرى تهمة عدم احترام الآلهة. وكان مبرر هذا الاتهام هو قصيدته التي كان كتبها عند موت هرمياس قبل ذلك بعشرين عاما حيث رأوا أنها تحوي تأليها ممكنا لصديقه، ولكن هذا لم يكن إلا تعلة لأن السبب الحقيقي كان سياسيا ويقوم في علاقته مع القائد المقدوني أنتيباتر. وحيث إن الحكم بالإدانة كان مؤكدا فإن الفيلسوف استبقه وخرج من أثينا مع تلامذته قاصدا خالقيس المدينة الأم لمواطنه الأصلي إستاجيرا.

موت أرسطو

 وفي هذه المدينة توفى في السنة التالية ٣٢٢ ق.م. عن عمر ٦٢ - ٦٣ سنة. وتكشف وصيته التي وصل إلينا نصها عن نفس الصفات فيما تشير إليه من حياته العائلية السعيدة وعنايته الشديدة بمستقبل أطفاله وخدمه. وقد تزوج أرسطو مرتين الأولى من بيثياس، والثانية من سيدة تدعى هربيليس التي أنجبت له ابنا هو نيقوماخوس وبنتا. وتشير الوصية إشارة خاصة إلى طيبة هربيليس وحسن معاملتها لزوجها، وقد ترك لها ميراثا. كما أن حرارة مشاعره تجاه بثياس تظهر من طلبه أن توضع بقايا جثمانها في نفس مقبرته.



أنتظر متابعتكم لتظهر لكم مقالاتي، وأنتظر تعليقاتكم لتشجيعي لكتابة المزيد من المقالات.

RAAFAT

تعليق واحد

  1. مجهود رائع
رائيك مهم.. وتعليقك يفيد.. شكرًا لك
حقوق النشر © MR RAAFAT جميع الحقوق محفوظة
x